من المجالات الهامة والتي تلعب نظم المعلومات الجغرافية دورا هاما في ادارتها هي الازمة . في هذا المقال سنحاول تسليط الضوء على دور نظم المعلومات الجغرافية في إدارة الازمة. وسنبدأ أولا في إيضاح بعض المفاهيم الهامة عن الأزمة.
أولا ماهي الازمة؟
نستطيع تعريف الأزمة بأنها مرحلة زمنية يمر بها ظروف واحداث صعبة وخطرة يكون الحل فيه ضروري وسريع. وقد تكون الازمة بسبب كارثة طبيعية او صناعية…لكن ماهي أنواع الازمات؟
قد تكون الأزمة اقتصادية او صناعية او طبيعية مثل الزلازل والبراكين أو أزمة صحية مثل الأمراض خاصة التي تتحول إلى أوبئة كما هو حال الوباء الحالي كورونا Covid-19 والتي محور حديثنا في هذا المقال.
قد يتبادر الى الذهن لماذا نحتاج الى إدارة الازمة مثل أزمة كورونا؟ لماذا لا ندعها تمر ؟
تأثير الازمة على الناس قد يكون محصورا في منطقة جغرافية معينة او ممتدا على المستوى العالمي. فهذه الازمة الصحية مثل وباء كورونا ممتد اثرها ليس محصور في بقعه جغرافية معينة بل ممتد تأثيرها الى جميع انحاء العالم. كما أن اثرها ليس مقتصر على الحالة الصحية وتهديد حياة البشر بل اثرها الاقتصادي قوي سواء على مستوى الفرد او الدولة. واحيانا هذه الازمات تشكل تهديد امني على الفرد من حيث كثرة الجرائم نظرا لما تسببه من بطالة في بعض الدول وارتفاع في معدلات الفقر.
غالبا تقاس درجة شدة الازمة الصحية مثل أزمة كورونا بعدد الناس الذين تأثروا بها في منطقة جغرافية معينة. من ناحية اعداد المصابين والوفيات وكذلك تقاس بالخسائر الاقتصادية والاجتماعية لذا تحتاج الازمة الى إدارة والتحكم فيها وتخفيف اثارها.
في النقاط التالية سيتم تسليط الضوء على المراحل التي تمر بها إدارة الازمة والتحكم بها والتي هي على النحو التالي:
المرحلة الأولى: التحضير والتلطيف Mitigation:
وهي استراتيجية يتم تطبيقها قبل حدوث الازمة مثلا في ازمة كورونا يمكن الحد منها باستخدام مجموعة من التدخلات للحد من انتقال العدوى حيث يمكن لهذه التدخلات أن تقلل من تأثير تفشي المرض وتشتري الوقت حتى يتم تطوير اللقاحات، ولكن هذه التدخلات قد يكون لها تكاليف اجتماعية واقتصادية عالية. إن الاستراتيجيات المناسبة تعتمد بشكل حاسم على الهدف الدقيق الذي من اجله يتم التدخل.
متى يتم التدخل وأين يتم ذلك؟
هناك بعض الاستراتيجيات في التدخل لتقليل الوفيات اعتمادًا على شدة الوباء أو ذروة الانتشار أو الحد من العبء الاجتماعي والاقتصادي التي تحدث نتيجة الإجراءات والتدابير الاحترازية. خطورة هذه الازمة انه لا توجد أدوية أو لقاحات محددة, والنظم الصحية مثقلة في كل مكان . لذا تعتمد على التدخلات المجتمعية المستهدفة وغير القسرية بشفافية كافية ومشاركة الجمهور وثقتهم ، وتنفيذها على وجه السرعة.
قد تساعد هذه التدابير على تأخير الانتشار المتسارع لتفشي الوباء حتى تتوفر الأدوية. الشفافية والثقة أمران حاسمان للحفاظ على استجابة هادئة ومتوافقة لنصائح التخفيف بين الناس.
استراتيجيات التخفيف Mitigation والتي تخص المجتمع الرئيسية مثلا إلغاء الأحداث والفعاليات واستخدام تدابير التباعد الاجتماعي لتقليل الاتصال المباشر بين الناس , وقيود السفر ، ووضع قيود على النقل العام و الطرق دون المساس بالخدمات الأساسية, وكذلك تخصيص قنوات إعلامية ومنصات لنشر الاخبار المؤكدة وتجنب الأخبار المزيفة والشائعات واثارة الذعر بين الناس.
هذه التدخلات والإجراءات لتحضير التعامل مع الأزمة تتطلب استخدام نظام يستطيع ان يدمج البيانات ويعالجها ويحللها ويتنبأ بها مع مراعاة السياق الجغرافي وعامل الوقت وهذا ما توفره نظم المعلومات الجغرافية.
باعتبار أننا لا نستطيع منع المخاطر الطبيعية , ولكن من المهم تحديد المخاطر المحتملة وأين يمكن ان تؤثر على مجتمعاتنا. كأداة تصور , نظم المعلومات الجغرافية يمكن ان تساعد في تحديد وفهم العلاقات بين المناطق الأكثر عرضة للمخاطر . على سبيل المثال يمكن الاستفادة من البيانات الإحصائية للسكان لمعرفة التوزيع الجغرافي للسكان حسب العمر والدخل و الجنسية وجودة المنازل (حيث يمكن ان يكون العزل داخل المنازل او وتحتاج الى تباعد مثل سكن العمال), وكذلك تحديد المناطق التي تشهد كثافة في حركة المشاة . هذه المعلومات يمكن استخدامها لإنشاء استراتيجيات ملائمة للتحضير وتخفيف اثار الازمة قبل حدوثها, وكذلك التعرف على كيف وأين المناطق التي ينبغي ان يتم اخلاؤها او حتى يكون التركيز عليها اكثر في بدء الازمة اكثر من غيرها من ناحية تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية والأمنية وغيرها مثل العزل وتطبيق إجراءات احترازية اكثر وهكذا.
علاوة ذلك, مع التقدم في نظم المعلومات الجغرافية وتقنية الحاسب الالي هذه الأيام, فانه بإمكان الافراد والمجتمعات وبشكل واسع استخدام الأدوات لإدارة المعرفة والبيانات التي تخص المجتمع. حيث يمكن استخدام نظم المعلومات الجغرافية للاتصال بالناس المعرضين للخطر و لديهم قلة وعي ومعرفة في اخذ الاحتياطات اللازمة والتي تساعد في تخفيف الاثار المترتبة من كورونا.
ويمكن تلخيص استخدام نظم المعلومات الجغرافية كالتالي:
– فهم تأثير الازمة على الأفراد حسب الموقع الجغرافي من خلال تحليل البيانات الديمغرافية والاجتماعية والصحية بما في ذلك العمر والمرض والسمنة والعلاجات الطبية
– تحديد كيفية تكييف التوعية لكل حي ومنطقة – حسب العمر واللغة ونمط الحياة
– فهم احتياجات خدمة الرعاية الصحية لكل حي ومنطقة – حسب المنشأة ، واليوم ، وسعة السرير ، ونوع الرعاية ، ومعدات الوقاية الشخصية
– فهم تأثير الازمة على الاقتصاد المحلي – حسب المناطق واليوم والبطالة وحالات الفقر
– فهم الآثار المجتمعية – عن طريق معرفة حالات وبلاغات العنف المنزلي واستهلاك الممنوعات وإساءة معاملة الأطفال وإساءة معاملة المسنين وأزمات الصحة العقلية والنفسية.
المرحلة الثانية: التأهب والاستعداد لحالات الطوارئ Preparedness:
و هي الإجراءات التي يتم اتخاذها مسبقًا والتي تعمل على تطوير القدرات التشغيلية للخدمات الصحية ، مما يتيح استجابة أكثر كفاءة وفعالية لحالات الطوارئ ، وتعتبر هذه الجهود هامة في التخطيط للإخلاء ، مما يؤدي إلى تواصل أكثر فعالية واتخاذ القرار على جميع المستويات.
للتخطيط الفعال للمخاطر وتخفيفها وتقليلها ، يجب على متخصصي إدارة الطوارئ دمج البيانات في الوقت الفعلي والبيانات الضخمة وغيرها من البيانات الهامة في تحليلاتهم. حيث تساعد الإحصاءات المستندة إلى البيانات المجتمع على الاستعداد بفعالية لسيناريوهات أسوأ الحالات. استكشاف أدوات عمليات إدارة الطوارئ لتصور المخاطر وتحليلها ، وإجراء تحليلات في الوقت الفعلي ، وإدارة مشاريع التخفيف ، والتواصل مع الجمهور.
في الجزء الثاني من المقال سنتحدث ان شاء الله عن المراحل المتبقية من إدارة ازمة كورونا واستخدام نظم المعلومات الجغرافية فيها.
د. نواف العتيبي