لسنوات ونظم المعلومات الجغرافية GIS يتمركز استخدامها حول انتاج الخرائط وعمليات التحليلات المكانية من اجل فهم المشكلات. هذا النمط السائد من الاستخدام يعود الى طبيعة مكونات وعناصر نظم المعلومات الجغرافية. تحديدا الى نوعية وقدرات الأجهزة والبرامج المستخدمة و وفرة البيانات ودقتها والى تنوع الأساليب ومهارة وقدرات المستخدمين. هذه العناصر للـــــــــــــGISـ هي المؤثر الرئيسي على نمط استخدامه لذا فأن أي تطور أو تحديث سيؤثر على قدرات الـGIS. في هذا المقال سنتحدث أولا عن كيفية مكونات الـGIS اثرت خلال الفترة الماضية على نمط استخدامه ومن ثم نوضح كيف هذه العناصر ساهمت في تشكيل التفكير الجديد لنظم المعلومات الجغرافية.
الى وقت قريب جداً تحديدا قبل 2015 م كانت البيانات المكانية والتي هي أهم مكون للـ GISمصادرها محدودة. حيث تنحصر في المرئيات الفضائية و الصور الجوية واعمال المسح الأرضي وكل هذه المصادر للبيانات المكانية تعتبر مُكلفة جدا و تأخذ كثير من الوقت والجهد أيضا. بالإضافة الى انها تحتاج الى مختصين متمرسين لمعالجتها وتحويلها الى بيانات رقمية للاستفادة من بناء قواعد البيانات الجغرافية. كما ان الجهات المسؤولة عن توفيرها في الغالب هي جهات رسمية حكومية يتطلب الامر وقتا وإجراءات إدارية للحصول عليها. في المقابل أيضا, البيانات الوصفية المرفقة مع البيانات المكانية محدودة و المتوفر منها غير حديث او مرتبط بجهات رسمية ولا تنشرها لدواعي الخصوصية و السرية أحيانا.
العنصر الثاني للـ GIS هو جهاز الحاسب الالي والذي يعتبر مكلف في الثمن و من الصعب الانتقال به الى الميدان والعمل به في الاعمال الحقلية. كما أن البرامج المشغلة لوظائف الـ GIS الى وقت قريب محدودة و المتوفر منها يحتاج الى الرخص المدفوعة وكذلك الأساليب والأدوات التي هي المكون الرابع الملحقة بهذه البرامج تفتقر الى التنوع والشمولية في تغطية كافة الأساليب التي تساعد في تحليل البيانات المكانية ومعالجتها و اخراج النتائج وعرضها.
لسنوات و نظم المعلومات الجغرافية يقتصر تعلمها واستخدامها من اشخاص قادمين من خلفيات جغرافية وهندسية و تقنيين نظراُ لأن مكونات الـGIS ذات علاقة في التخصصات السابقة. هذه العوامل جعلت أيضا استخدامات نظم المعلومات الجغرافية تتركز في مجالات محددة مثل الإدارة البيئية, التنمية, ذكاء الأعمال, التخطيط الحضري.
بناء على ما سبق الإشارة اليه من عوامل و التي شكلت مكونات نظم المعلومات الجغرافية فإن الفكر السائد لاستخدامه لفترات طويلة ولعهد قريب تتركز بشكل كبير على رسم الخرائط واجراء عمليات التحليل المكاني باستخدام بيانات محدودة. وتعتبر الخريطة هي الأساس لفهم المشكلات.
حديثاُ وفي السنوات الخمس الأخيرة طرأ تطور كبير لمكونات الـGIS والتي شكلت مفهوما وفكرا جديدا لاستخداماته. ويمكن تلخيص أهم هذه التغييرات والتطورات التي حدثت فيما يلي:
1. انتشار استخدام الـGIS على نطاق واسع حيث لم يعد الامر يقتصر على المهندسين والجغرافيين والـIT والباحثين بل امتد ليشمل اغلب التخصصات في العديد من المجالات. لأن الموقع الجغرافي أصبح مؤثر في كثير من القرارات في حياتنا اليومية.
2. ظهور تقنيات جديدة عززت من قدرات الـGIS متمثلة ف التقنيات التالية:
الحوسبة السحابية Cloud Computing والتخزين السحابي Cloud Storage و التي تعمل على الوصول الكامل من أي جهاز في أي مكان وفي أي وقت. هذه التقنيات ساهمت في تقليل التكلفة للـ GIS وقابليته للتوسع والمرونة والنشر السريع.
الذكاء الاصطناعي AI يمكن عن طريقة رسم خرائط في نظم المعلومات الجغرافية و أتمتة عمليات جمع البيانات وتحليلها وتصورها، مما يؤدي إلى حلول أكثر دقة وكفاءة والقدرة على التعامل مع كميات كبيرة من البيانات، واكتشاف الأنماط، ودمج مصادر متعددة.
نظم المعلومات الجغرافية المتنقلة Mobile GIS. ويساهم تحول استخدام تقنيات الـ GIS من الأجهزة الكبيرة الى أجهزة الهواتف المتنقلة او الكفية الى تسهيل عمليات جمع البيانات المكانية وتحليلها والتعامل معها في الميدان والحقل.
الـChatGPT والذي يعتبر الان ثورة الذكاء الاصطناعي فيمكن استخدامه في الـGIS من اجل تحديد الأداة المناسبة للاستخدام حسب الغرض و المساعدة كدليل تعليمي مباشر لكيفية استخدام برنامج معين. كما يمكنه كتابة الاكواد مثلا مع ArcPy حسب طلبك دون الحاجة ان تكون مبرمج.
3. سهولة الوصول والحصول على البيانات الجغرافية والمكانية وبأقل تكلفة نظرا لتوفر المصادر المفتوحة لجمع البيانات المكانية وغير المكانية وكذلك تطور طرق جمع البيانات كاستخدام الطائرات بدون طيار Drones.
4. النقلة النوعية في تمثيل البيانات المكانية مثل: استخدام الـ 3D GIS والتوائم الرقمية Digital Twins.
5. ظهور برامج مجانية وأخرى منافسة للشركة الرائدة Esri – سيزيد من المنافسة ويساهم في ابتكار أدوات جديدة.
من خلال هذا التطور الهائل في جميع عناصر نظم المعلومات الجغرافية يمكن التكهن والتوقع بمستقبل قدرات نظم المعلومات الجغرافية على تمثيل الأشياء غير المحسوسة و الغير مادية بشكل مباشر والتنبؤ بها مثل تمثيل الحياة بكل تفاصيلها مشتملا على السلوك و المشاعر والخبرة وربط ذلك في سياق واحد وبشكل مباشر. كما يتوقع قدرة الـGIS على تحديد المشكلات والتعرف عليها و حلها واتخاذ القرارات بشأنها. أيضا يتوقع القدرة على جمع البيانات المكانية وغير المكانية بواسطة أجهزة متنقلة ومعالجتها.
هذا يدعوا الى طرح تساؤل مهم : هل سنرى نظم المعلومات الجغرافية تنتقل من دور أداة مساعدة لاتخاذ القرار الى دور أداة لاتخاذ القرار مباشرة بشكل اكثر دقة و كفاءة ؟